
في الأشهر الأخيرة، شهدت النقاشات حول البيتكوين والعملات الرقمية اللامركزية تجدد ً ا ملحوظا في الأوساط المالية والسياسية الأمريكية. فبعد أن كانت ت ُ قد يستخدم في حال حدوث اضطرابات اقتصادية أو تحولات ٍ ّاع القرار ينظرون إليها الآن كخطة احتياطية أو نظام مالي مواز ُ مجرد أصول مضاربة، بدأ بعض صن نقدية عالمية
من المضاربة إلى الاستراتيجية
طرح البيتكوين لأول مرة في عام 2009 ً كبديل لامركزي للعملات التقليدية، بعيدا عن سيطرة الحكومات أو البنوك المركزية. وعلى مدار سنوات، استبعدت المؤسسات التقليدية أهميته بسبب تقلبه ومخاطره العالية. إلا أنه ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية، واستمرار المخاوف من التضخم، وبلوغ سقوف الديون مستويات حرجة، بدأت بعض المؤسسات الأميركية—السياسية والخاصة—تعيد النظر في الدور المستقبلي المحتمل للعملات الرقمية ُ ناقشت جلسات استماع في الكونغرس وتقارير صادرة عن مراكز أبحاث سيناريوهات قد ي ّ ستخدم فيها البيتكوين كأصل احتياطي، أو كوسيلة تحوط رقمية، أو كخيار سيولة طارئة في حال حدوث انهيار في النظام المالي أو تراجع الثقة بالعملات الورقية
اهتمام القطاع الخاص
اتخذت العديد من الشركات الأميركية الكبرى، من صناديق التحوط إلى منصات الدفع، خطوات فعلية نحو دمج البيتكوين في أنظمتها. فقد أطلقت شركات مثل ً “بلاك روك” و”فيديليتي” منتجات استثمارية مرتبطة بالبيتكوين، بينما تتيح منصات مثل “باي بال” لمستخدميها شراء العملة وامتلاكها مباشرة أكثر واقعية مما كانت عليه قبل خمس سنوات فقط
حذر حكومي فضولي
لا تزال الحكومة الأمريكية حذرة بشأن إضفاء الشرعية الرسمية على البيتكوين، إذ تواصل الهيئات التنظيمية مراقبة القطاع عن كثب بسبب المخاطر المتعلقة ّي رؤية استراتيجية وسط عالم بالاحتيال والجريمة المالية والتلاعب بالأسواق. ومع ذلك، بدأت بعض الأصوات داخل الاحتياطي الفيدرالي والكونغرس تدعو إلى تبن يزداد رقمنة ً الفكرة ليست استبدال الدولار الأمريكي، بل دراسة البيتكوين كأداة أمان محتملة، قد تمنح الاقتصاد نوعا من الصمود النقدي في أوقات الأزمات الشديدة أو النزاعات الدولية
لماذا الآن؟
تعود الأسباب وراء التركيز المتجدد إلى عدة عوامل: • الديون العالمية وإزالة الدولرة: مع ارتفاع الديون الوطنية وتزايد الحديث في بعض الدول عن تقليص الاعتماد على الدولار الأميركي في التسويات التجارية، ازداد الاهتمام بالبدائل اللامركزية • فشل البنوك وقضايا الثقة: تسببت انهيارات حديثة في بعض البنوك الإقليمية الأميركية في زعزعة ثقة الجمهور بالمؤسسات المالية التقليدية • جاهزية التكنولوجيا: تطور بنية البلوكتشين بشكل كبير، كما أصبح فهم الجمهور لمحافظ العملات الرقمية والتمويل اللامركزي أوسع من أي وقت مضى
إشارة عالمية
إن اهتمام الولايات المتحدة بالبيتكوين كخطة مالية بديلة يرسل إشارة عالمية. ففي عالم تتوسع فيه الأنظمة الرقمية واللامركزية، قد تجد الدول—بصرف النظر ّ عن نماذجها الاقتصادية—نفسها مضطرة إلى التفاعل أو التكيف مع هذا النمط المالي الناشئ ّ ّ ط الضوء على تحول عالمي في وبالنسبة للمراقبين في الشرق الأوسط أو إفريقيا أو آسيا، فإن هذه اللحظة قد تعكس أكثر من مجرد توجه أمريكي؛ إنها تسل مفاهيم السيادة النقدية، والمرونة التكنولوجية، ومستقبل النظام المالي العالمي